فصل: تفسير الآية رقم (68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (66):

{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)}
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي معذبون مهلكون من الغرام وهو الهلاك قال الشاعر:
إن يعذب يكن غراما وإن يعـ ** ـط جزيلًا فإنه لا يبالي

والمراد مهلكون بهلاك رزقنا، وقيل: بالمعاصي أو ملزمون غرامة بنقص رزقنا، وقرأ الأعمش. والجحدري. وأبو بكر أئنا بالاستفهام والتحقيق، والجملة على القراءتين بتقدير قول هو في حيز النصب على الحالية من فاعل تفكهون أي قائلين، أو تقولون ذلك.

.تفسير الآية رقم (67):

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)}
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} محدودون لا مجدودون أو محرومون الرزق كأنهم لما قالوا إنا مهلكون لهلاك رزقنا أضربوا عنه وقالوا: بل هذا أمر قدر علينا لنحوسة طالعنا وعدم بختنا، أو لما قالوا: إنا ملزمون غرامة بنقص أرزاقنا أضربوا فقالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} الرزق بالكلية.

.تفسير الآية رقم (68):

{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)}
{أَفَرَءيْتُمُ الماء الذي تَشْرَبُونَ} عذبًا فراتًا، وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لأن الشرب أهم المقاصد المنوطة به.

.تفسير الآية رقم (69):

{أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)}
{ءأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن} أي السحاب واحدته مزنة، قال الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل إبقالها

وقيل: هو السحاب الأبيض وماؤه أعذب {أَمْ نَحْنُ المنزلون} له بقدرتنا.

.تفسير الآية رقم (70):

{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}
{لَوْ نَشَاء جعلناه أُجَاجًا} ملحًا ذعاقًا لا يمكن شربه من الأجيج وهو تلهب النار، وقيل: الأجاج كل ما يلذع الفم ولا يمكن شربه فيشمل الملح والمر والحار، فإما أن يراد ذلك، أو الملح بقرينة المقام وحذفت اللام من جواب لو هاهنا للقرينة اللفظية والحالية ومتى أجاز حذف لم أر في قول أوس:
حتى إذا الكلاب قال لها **... كاليوم مطلوبًا ولا طلبا

والقرينة حالية فأولى أن يجوز حذفها وحدها لذلك على ما قرره الزمخشري، وقرر وجهًا آخر حاصله أن اللام لمجرد التأكيد فتناسب مقام التأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون المشروب للدلالة على أن أمره مقدم على أمره، وأن الوعيد بفقده أشدّ وأصعب من قبل أن المشروب تبع له ألا يرى أن الضيف يسقي بعد أن يطعم، وقد ذكر الأطباء أن الماء مبذرق، ويؤيد ذلك تقديمه على المشروب في النظم الجليل، وللإمام في هذا المقام كلام طويل اعترض به على الزمخشري وبين فيه وجه الذكر أولًا والحذف ثانيًا، ولم أره أتى بما يشرح الصدر، وخير منه عندي قول ابن الأثير في المثل السائل: إن اللام أدخلت في المطعوم دون المشروب لأن جعل الماء العذب ملحًا أسهل إمكانًا في العرف والعادة والموجود من الماء الملح أكثر من الماء العذب، وكثيرًا ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحًا إلى زيادة تأكيد فلذا لم تدخل لام التأكيد المفيدة لزيادة التحقيق، وأما المطعوم فإن جعله حطامًا من الأشياء الخارجة عن المعتاد وإذا وقع يكون عن سخط شديد، فلذا قرن باللام لتقرير إيجاده وتحقيق أمره انتهى.
{فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} تحضيض على شكر الكل لأنه أفيد دون عذوبة الماء فقط كما ذهب إليه البعض.
نعم أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أذا شرب الماء قال: الحمد لله الذي سقانا عذبًا فراتًا برحمته ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا».

.تفسير الآية رقم (71):

{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)}
{أَفَرَءيْتُمُ النار التي تُورُونَ} أي تقدحونها وتستخرجونها من الزناد.

.تفسير الآية رقم (72):

{أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)}
{ءأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} التي منها الزناد وهي المرخ والعفار، وقيل: المراد بالشجرة نفس النار كأنه قيل: نوعها أو جنسها فاستعير الشجرة لذلك وهو قول متكلف بلا حاجة.
{أَمْ نَحْنُ المنشئون} لها بقدرتنا والتعبير عن خلقها بالإنشاء المنبئ عن بديع الصنع المعرب عن كمال القدرة والحكمة لما فيه من الغرابة الفارقة بينها وبين سائر الأشجار التي لا تخلو عن النار حتى قيل في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار كما أن التعبير عن نفخ الروح بالإنشاء في قوله تعالى: {ثُمَّ أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 14] لذلك.

.تفسير الآية رقم (73):

{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)}
{نَحْنُ جعلناها تَذْكِرَةً} استئناف معين لمنافعها أي جعلناها تذكيرًا لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش لينظروا إليها ويذكروا بها ما أوعدوا به، أو جعلناها تذكرة وأنموذجًا من جهنم لما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم» وعلى الوجهين التذكرة من الذكر المقابل للنسيان ولم ينظر في الأول إلى أنها من جنس نار جهنم أولًا وفي الثاني نظر إلى ذلك، وقيل: تبصرة في أمر البعث لأن من أخرج النار من الشجر الأخضر المضاد لها قادر على إعادة ما تفرقت مواده، وقيل: تبصرة في الظلام يبصر بضوئها، وفيه أن التذكرة لا تكون عنى التبصرة المأخوذة من البصر وكون المراد تذكرة لنار جهنم هو المأثور عن الكثيرين، ومنهم ابن عباس. ومجاهد. وقتادة {ومتاعا} ومنفعة {لّلْمُقْوِينَ} للذين ينزلون القواء وهي القفر من أقوى دخل القواء كأصحر دخل الصحراء وتخصيص المقوين بذلك لأنهم أحوج إليها فإن المقيمين، أو النازلين بقرب منهم ليسوا ضطرين إلى الاقتداح بالزناد.
وقيل: {لّلْمُقْوِينَ} أي المسافرين، ورواه جمع عن ابن عباس. وعبد بن حميد عن الحسن، وهو. وابن جرير. وعبد الرزاق عن قتادة بزيادة كم من قوم قد سافروا ثم أرملوا فأججوا نارًا فاستدفئوا وانتفعوا بها، وكان إطلاق المقوين على المسافرين لأنهم كثيرًا ما يسلكون القفراء والمفاوز، وقيل: {لّلْمُقْوِينَ} للفقراء يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد كأنه تصور من حال الحاصل في القفر الفقر، فقيل: أقوى فلان أي افتقر كقولهم أترب وأرمل، وقال ابن زيد: للجائعين لأنهم أقوت أي خلت بطونهم ومزاودهم من الطعام فهم يحتاجون إليها لطبخ ما يأكلون وخصوا على ما قيل لأن غيرهم يتنعم بها لا يجعلها متاعًا، وتعقب بأنه بعيد لعدم انحصار ما يهمهم ويسدّ خلتهم فيما لا يؤكل إلا بالطبخ، وقال عكرمة. ومجاهد: المقوين المستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها ويصطلون من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز، قال العلامة الطيبي. والطبرسي: وعلى هذا القول المقوى من الأضداد يقال للفقير: مقو لخلوه من المال، وللغنى مقو لقوّته على ما يريد يقال: أقوى الرجل إذا صار إلى حال القوة والمعنى متاعًا للأغنياء والفقراء لأنه لا غنى لأحد عنها انتهى.
وفيه بحث لا يخفى، ولعل الأقرب عليه أنه أريد بالاقواء الاحتياج والمستمتع بها محتاج إليها فتدبر، وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على أن الأهم هو النفع الأخروي وتقديم أمر الماء على أمر النار لأن الاحتياج إليه أشد وأكثر والانتفاع به أعم وأوفر، وقال بعضهم: قدم خلق الإنسان من نطفة لأن النعمة في ذلك قبل النعمة في الثلاثة بعد، ثم ذكر بعده ما به قوام الإنسان من فائدة الحرث وهو الطعام الذي لا يستغنى عنه الجسد الحي وذلك الحب الذي يختبز فيحتاج بعد حصوله إلى حصول الماء ليعجن به فلذا ذكر بعده ثم إلى النار لتصيره خبزًا فلذا ذكرت بعد الماء وهو كما ترى، واستحسن بعضهم من القارئ أن يقول بعد كل جملة استفهامية من الجمل السابقة: بل أنت يا رب، فقد أخرج عبد الرزاق.
وابن المنذر. والحاكم. والبيهقي في سننه عن حجر المروى قال: بت عند عليّ كرم الله تعالى وجهه فسمعته وهو يصلي بالليل يقرأ فمر بهذه الآية {أَفَرَءيْتُم مَّا تَخْلُقُونَهُ أَم إِن نَّحْنُ الخالقون} [الواقعة: 58، 59] فقال: بل أنت يا رب ثلاثًا، ثم قرأ {تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزرعون لَوْ} فقال: بل أنت يا رب ثلاثًا، ثم قرأ {أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ} [الواقعة: 69] فقال: بل أنت يا رب ثلاثًا، ثم قرأ {أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون نَحْنُ} [الواقعة: 72] فقال: بل أنت يا رب ثلاثًا، وأنت تعلم أن في استحسان قول مثل ذلك في الصلاة اختلافًا بين العلماء.

.تفسير الآية رقم (74):

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)}
{فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} مرتب على ما عدد من بدائع صنعه عز وجل وودائع نعمه سحبانه وتعالى، والمراد على ما قيل: أحدث التسبيح تنزيلًا للفعل المتعدي منزلة اللازم، وأريد من إحداثه استمراره لا إيجاده لأنه عليه الصلاة والسلام غير معرض عنه، وتعقبه الطيبي بأن هذا عكس ما يقتضيه لفظ الإحداث، فالمراد تجديد التسبيح، وفي الكلام إضمار أي سبح بذكر اسم ربك، أو الاسم مجاز عن الذكر فإن إطلاق الاسم للشيء ذكره، والباء للاستعانة أو الملابسة وكونها للتعدية كما هو ظاهر كلام أبي حيان ليس بشيء، والعظيم صفة للاسم، أو للرب، وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد إما لتنزيهه تعالى عما يقولوه الجاحدون لوحدانيته عز وجل الكافرون بنعمه سبحانه مع عظمها وكثرتها، أو للشكر على تلك النعم السابقة لأن تنزيهه تعالى وتعظيمه جل وعلا بعد ذكر نعمه سبحانه مدح عليها فهو شكر للمنعم في الحقيقة، أو للتعجب من أمر الكفرة في غمط تلك النعم الباهرة مع جلالة قدرها وظهور أمرها؛ وسبحان ترد للتعجب مجازًا مشهورًا فسبح عنى تعجب، وأصله فقل سبحان الله للتعجب وفيه بعد وما تقدم أظهر.
هذا وجوز أن لا يكون في {باسم رَبّكَ} إضمار ولا مجاز بل يبقى على ظاهره فقد قالوا في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبّكَ الاعلى} [الأعلى: 1]: كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته سبحانه عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن سوء الأدب وهو أبلغ لأنه يلزمه تقديس ذاته عز وجل بالطريق الأولى على طريق الكناية الرمزية، وفيه أنه إنما يتأتى لو لم تذكر الباء، وجعلها زائدة خلاف الظاهر، وحال كونها للتعدية قد سمعته، وجعل بعضهم على هذا الخطاب لغير معين فقال: إنه تعالى لما ذكر ما ذكر من الأمور وكان الكل معترفين بأنها من الله تعالى وكان الكفار إذا طولبوا بالوحدانية قالوا: نحن لا نشرك في المعنى وإنما نتخذ أصنامًا آلهة وذلك إشراك في الاسم، والذي خلقنا وخلق السموات والأرض هو الله تعالى فنحن ننزهه في الحقيقة قال سبحانه: {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ} على معنى كما أنك أيها الغافل اعترفت بعدم اشتراكها في الحقيقة اعترف بعدم اشتراكها في الاسم ولا تقل لغيره تعالى إلهًا فإن الاسم يتبع المعنى والحقيقة، فالخطاب كالخطاب في قول الواعظ يا مسكين أفنيت عمرك وما أصلحت أمرك لا يريد به أحدًا بعينه، وإنما يريد أيها المسكين السامع وهو كما ترى، نعم احتمال عموم الخطاب مما لا ينكر لكن لا يتعين عليه هذا التقرير، ثم الظاهر أن المراد بذكر الرب أو ذكر اسمه سبحانه على ما تقرر سابقًا ما هو المتبادر المعروف.
وفي الكشف إن المراد بذلك تلاوته صلى الله عليه وسلم للقرآن أو لهذه السورة الكريمة المتضمنة لإثبات البعث والجزاء ومراتب أهله لينطبق عليه قوله تعالى بعد: {فَلاَ أُقْسِمُ} [الواقعة: 57] وعلى الأول لابد من إضمار أي فسبح باسم ربك وامتثل ما أمرت به فأقسم أنه لقرآن، والغرض تأكيد الأمر بالتسبيح، وأنا أقول يتأتى الانطباق على الظاهر أيضًا سوى أنه يعتبر في الكلام إضمار ولا بأس بأن يقال: إنه تعالى لما ذكر ما ذكر من النعم الجليلة الداعية لتوحيده سبحانه ووصفه بما يليق به عز وجل قال سبحانه: {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ} أي فنزهه تعالى عما يقولون في وصفه سبحانه، وأقبل على إنذارهم بالقرآن والاحتجاج عليهم به بعد الاحتجاج بما ذكرنا فأقسم أنه لقرآن كيت وكيت فلا في قوله عز وجل: